الفصل الأول: مفهوم طبيعة التأمين و مدى تأثيره على النشاط الإقتصادي
المبحث الأول: مفاهيم أساسية للتأمين
يعتبر التأمين في مفهومه البسيط إعطاء الأمان من أجل مواجهة الخطر المحتمل وقوعه في المستقبل, و ذلك حتى يعطي الثقة اللازمة للمستثمر من أجل اختراق عالمه المجهول, وهي بيئة الإستثمار. فيعد هذا الأخير أي التأمين العنصر الداحض إلى كل العراقيل الإجتماعية و الإقتصادية و حتى الأمنية منها في بعض الأحيان, وذلك من خلال ميزته الخاصة في دعم الإنسان المستثمر في حالة وقوع الضرر. ولذلك سيسارع الإنسان منذ الأزل إلى ابتكار هذه التقنية التي توفر له الظروف المناسبة للإنتاج و العمل, فيا ترى فيما يتجلى هذا التأمين تعريفا و متى نشأ و ما هي الأسس التي يقوم عليها, و الخصائص التي تميز عقله, و الأقسام التي ينتمي إليها. كل ذلك سندرجه في هذا المبحث.
المطلب الأول: نشأة و مفهوم التأمين
1- نشأة التأمين:
نتاجا للسياسة التجارية المنتهجة إبان القرن 14 التي كان يقوم عليها الفكر الإقتصادي آنذاك و خاصة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط, اهتدى الرجل الإقتصادي إلى ما يعرف بالقرص البحري من أجل ضمان سلعته فكان يقترض صاحب السفينة أو التاجر مالاً مسبقا من مالك رؤوس الموال و تعهدوا له بإرجاعها له في حالة زائد فوائد إذا ألحقت السفينة بسلام, أما إذا أهلكت هذه الأخيرة فيحتفظ بمبلغ القرض , و من هذا نلاحظ و كأنه مؤسسة التأمين هو مالك المال و المؤمن هو التاجر, فإذا أهلكت السلعة دفع رب المال التعويض و هو القرض, أما إذا وصلت بسلام يدفع التاجر قسط التأمين و هي الفائدة. أما فيما يخص تقنيين التأمين فكان من طرف المشرع الفرنسي في القرن 17 و يرجع ذلك إلى السياسة التشجيعية للصناعة المنتهجة من طرف الدولة الفرنسية آنذاك, و التي يتطلب بالضرورة تأمين الأخطار التجارية الناتجة عن تصدير السلع المنتجة على البحار و المحيطات, و حذا حذوها كل من انجلترا و إيطاليا و هولندا و إسبانيا, كما أنشأت أول شركة للتأمين في إنجلترا سنة 1720 في مجال التأمين البحري, بعدما انتشرت عدة شركات في الدول الأوروبية.
كما ظهر التأمين البري إثر الحادثة التي وقعت في لندن بحرق 13000 منزل و حوالي 100 كنيسة, وتطور نشاط التأمين بعد ذلك خصوصا مع بداية الثورة الصناعية و انتشار الآلات في القرن 19, فظهر التأمين على المسؤولية و التأمين على حوادث المرور, و التأمين على الحياة. و اكتملت الصور المختلفة للتأمين للقرن 20 مع ظهور التكنولوجيا المختلفة, فكان التأمين على النقل البري و الجوي و محاضر الحرب, و التأمين على الزواج و الأولاد.
2- مفهوم التأمين:
لغة: التأمين من أمّن, أي اطمأن و زال خوفه, و هو بمعنى سكن قلبه, و كذلك تستعمل كلمة الأمن عند الخوف, و من ذلك قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم:" ءَامَنَهُم مِنْ خَوْفٍ" و كذلك: "وإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثابَةً ِللنَاسِ وَ أَمَناً"
و لقد لجأ الإنسان إلى عدة وسائل لتغطية الأضرار الناتجة عن المخاطر التي تصيبه في حياته منها الإدخار, التضافر, لكن تبين مع مرور الزمن أنها غير كافية لمواجهة ما يتعرض له فاهتدى إلى فكرة جديدة تقوم على أساس تضامن الجماعة و هدفها الأساسي التعاون على تغطية الضرر التي قد يصيب أحد أفراد الجماعة, فتضمن له الأمن و الأمان, ومن هنا اشتقت كلمة التأمين التي ندرجها حسب التعاريف التالية:
حسب الفقيه جيرار: " التأمين عملية تستند إلى عقد احتمالي من عقود الضرر ملزم للجانبين يتضمن لشخص معين مهدد بوقوع خطر معين المقابل الكامل للضرر الفعلي الذي يسبب هذا الخطر له".
وحسب Besson : " التأمين هو عملية بمقتضاها يتعهد طرف يسمى المؤّمن تجاه طرف آخر يسمى المؤّمن له مقابل قسط يدفعه هذا الأخير له بأن يعوضه عن الخسارة التي ألحقت به في حالة تحقيق الخطر"
و باختصار نستنتج بأن التأمين هو عبارة عن العقد بين المؤّمن و المؤّمن له. فيلتزم الأول بدفع القسط, و الثاني بدفع مبلغ التأمين في حالة وقوع الخطر, و يعتبر هذا الضمان جوهر العملية التأمينية و تحقيقه يبقى محتملا غير مؤكد و غير مستبعد في آن واحد.
و لقد عرف المشرع الجزائري في المادة 619 من القانون المدني الجزائري :" التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغ من المال, في حالة وقوع الحادث أو تحقيق الخطر المبين في العقد و ذلك مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤدي بها تالمؤّمن له للمؤمن"
المطلب الثاني: أسس التأمين
لقد اختلف الفقهاء في بيان تحديد أسس التأمين, فمنهم من يركز على الأساس الإقتصادي و الأخر على الأساس القانوني, و منهم من يرى أنه أساس فني.
1- الأساس الإقتصادي للتأمين:
يعتمد بالأخص على نظريتين إلا أنهم اختلفوا حول معيار تحديد هذا الأساس فمنهم من يرجعها إلى فكرة الحاجة و البعض الآخر يرجعها إلى فكرة الضمان.
نظرية التأمين و الحاجة:
يركز أصحاب هذه الفكرة بأن التأمين هو ناتج عن الحاجة للحماية و الأمن, و ذلك أنّ أي خطر يحتمل الوقوع في المستقبل يدفع الإنسان إلى حماية نفسه و ممتلكاته من هذا الخطر. فهاته النظرية تمتاز بكونها تفسر كافة أنواع التأمين من الأضرار حيث توجد الحاجة للحماية من خطر معين, كما أنها تفسر غالبية أنواع التأمين لكن يؤخذ عليها أنها غير مانعة و غير جامعة. غير مانعة لأنها لا تمنع دخول أنظمة أخرى في نطاقها غير التأمين , و غير جامعة لأنها لا تحيط بكل أنواع التأمين حيث توجد بعض أنواع التأمين لا ينطبق عليها معيار الحاجة الذي بنيت عليه هذه النظرية.
نظرية التأمين و الضمان:
يعتمد أصحاب هذه النظرية على أنّ الخطر يسبب للإنسان حالة عدم ضمان اقتصادية تتمثل في تحديد المركز المالي و الإقتصادي و التأمين هو الذي يحقق من الناحية المادية ضمان لهذا المركز الإقتصادي المهدد. و يؤخذ على هذه النظرية أنها لا تتصدى لبيان أساس التأمين, ذلك أن معيار الضمان التي تقوم عليه هاته النظرية ليس إلا نتيجة من النتائج التي يترتب على التأمين بعد إبرامه. و من ثم لا تصلح أساسا له , زيادة عن ذلك فإن الضمان لا يقتصر على التأمين فقط حيث تحقق أنظمة أخرى للأفراد هاته الخاصية دون أن يطلق عليها صفة التأمين.
2- الأساس القانوني للتأمين:
يرى أنصار هذا المذهب أي أساس التأمين قانوني محظ لكن اختلفوا في كيفية تحديد معيار أو العنصر الذي يعتمد عليه, فالبعض يرى أن الخطر هو المعيار القانوني المحدد للتأمين الذي ينتج عنه الضرر الذي يسببه الضرر, بينما يرى طرف آخر بأن التعويض أي مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمن للمؤمن له. وهو المعيار القانوني للتأمين.
-نظرية التأمين و الضرر:
يرى هذا الإتجاه أن التأمين لابد أن يستهدف إصلاح ضرر محتمل, إذ أن التأمين هو نظام الحماية من أخطار محتملة الوقوع في المستقبل, وهو لا يحقق هاته الحماية إلا إذا كان الهدف منه إصلاح الضرر الذي يسببه الخطر و يصيب ذمة الإنسان المالية, و على ذلك فإن الضرر هو أساس التأمين.
و نلاحظ بأن هذا المعيار لا يصلح أساسا لكافة أنواع التأمين على الرغم من أن أنصار هذه النظرية يؤكدون على وجود عنصر الضرر فيها.
- نظرية التأمين و التعويض:
يرى أنصار النظرية أن أساس التأمين ليس الضرر في حدّ ذاته, و إنما الهدف من التأمين هو التعويض, أي مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمن للمؤمن له عند وقوع الخطر, لأن هذا التعويض يوجد في كافة أنواع التأمين عكس الخطر الذي ينعدم في بعض أنواع التامين.
و يؤخذ على هذه النظرية بأنها لا تتفق مع الطبيعة الحقيقية لعملية التأمين و هي حماية الإنسان من الخطر و الأسس الفنية التي تقوم عليها .
3- الأساس الفني للتأمين:
يرى الفقهاء الذين نادوا بهذا المذهب تأسيس التأمين وفق أسس فنية وذلك بإحداث عملية تعاون يقوم بها المؤمن بتنظيمها بتجميع المخاطر التي يتعرض لها و إجراء المقاصة وفق قوانين الإحصاء, غير أنهم انقسموا إلى فريق النادي بحلول التعاون المنظم على أساس سبيل التبادل المبني على الصدفة البحتة, و فريق ينادي بنظرية التأمين كمشروع منظم فنيا.
-نظرية حلول التعاون علة سبيل التبادل محل الصدفة البحتة:
تعتمد هذه النظرية في حقيقة الأمر على عملية التعاون بين المؤمن لهم الذين توجهون مخاطر متشابهة, فالمؤمن لهم هم الذين يضمنون تغطية مخاطرهم بأنفسهم و يقتصر دور المؤمن على الإدارة و التنظيم, التعاون بين الأعضاء وفقا لأسس فنية تحدد منذ قبل كتحديد القسط الذي يدفعه كل عضو مع درجة احتمال وقوع الخطر.
لقد اعتمدت هذه النظرية على الأساس الفني مهملة الأساس القانوني الذي هو مكمل للجانب الفني للتأمين, و هذا ما يولد نقص فيما مدى فعالية هذه العملية إذا اهتمت بعملية التعاون المنظم الذي يقوم بجلب المنفعة للمؤمن و لم تهتم بمركز المؤمن له و حقوقه و التزاماته و بالتالي هناك فجوة في هاته النظرية يستوجب عل المشروع إستدراكها و ذلك من خلال الجمع بين كل من المعيار القانوني و المعيار الفني للتأمين.
- نظرية التأمين كمشروع منظم فعليا:
يعتقد أصحاب هذه النظرية أن عقد التأمين يتطلب مشروع منظم لأنه ليس كباقي العقود لأنه ينطوي على عملية فنية تهدف إلى تجميع المخاطر و إجراء المقاصة و تحديد القسط الذي يدفعه المؤمن و لذلك فإن عقد التأمين لابد أن يبرم عن طريق هذا المشروع المنظم فنيا. هذا التنظيم هو الذي يعتبر الأساس الفني للتأمين, و قد أنجبت هذه النظرية عنصرا جديدا وهو المعيار الفني لعقد التأمين غير أنه غير كافي , لأن المعيار التي تأخذ به هذه النظرية لا يقتصر على التأمين حيث يوجد العديد من عمليات المضاربة تدار بواسطة مشروعات منتظمة فنيا, دون أن يطلق عليها وصف التأمين.
مما سبق يظهر بأن النظريات السابقة تنظر إلى جانب واحد من جوانب التأمين حيث يقتصر بعضها على الجانب الإقتصادي و البعض الآخر على الجانب القانوني و الفني, لكن في حقيقة الأمر لا يمكن الإستغناء عن معيار من هذه المعايير الثلاث أو الفصل بينهما في عقد التأمين, إذاً فالتأمين هو التعاون بين المؤمن لهم القائم على أسس فنية الذي ينظمه المؤمن و يلتزم فيه بتغطية الخطر مقابل التزام المؤمن لهم بدفع الأقساط, من هذا نستنتج بأن عقد التأمين ينطوي على أسس قانونية و اقتصادية و فنية تجعله مميز عن باقي العقود الأخرى.
المبحث الأول: مفاهيم أساسية للتأمين
يعتبر التأمين في مفهومه البسيط إعطاء الأمان من أجل مواجهة الخطر المحتمل وقوعه في المستقبل, و ذلك حتى يعطي الثقة اللازمة للمستثمر من أجل اختراق عالمه المجهول, وهي بيئة الإستثمار. فيعد هذا الأخير أي التأمين العنصر الداحض إلى كل العراقيل الإجتماعية و الإقتصادية و حتى الأمنية منها في بعض الأحيان, وذلك من خلال ميزته الخاصة في دعم الإنسان المستثمر في حالة وقوع الضرر. ولذلك سيسارع الإنسان منذ الأزل إلى ابتكار هذه التقنية التي توفر له الظروف المناسبة للإنتاج و العمل, فيا ترى فيما يتجلى هذا التأمين تعريفا و متى نشأ و ما هي الأسس التي يقوم عليها, و الخصائص التي تميز عقله, و الأقسام التي ينتمي إليها. كل ذلك سندرجه في هذا المبحث.
المطلب الأول: نشأة و مفهوم التأمين
1- نشأة التأمين:
نتاجا للسياسة التجارية المنتهجة إبان القرن 14 التي كان يقوم عليها الفكر الإقتصادي آنذاك و خاصة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط, اهتدى الرجل الإقتصادي إلى ما يعرف بالقرص البحري من أجل ضمان سلعته فكان يقترض صاحب السفينة أو التاجر مالاً مسبقا من مالك رؤوس الموال و تعهدوا له بإرجاعها له في حالة زائد فوائد إذا ألحقت السفينة بسلام, أما إذا أهلكت هذه الأخيرة فيحتفظ بمبلغ القرض , و من هذا نلاحظ و كأنه مؤسسة التأمين هو مالك المال و المؤمن هو التاجر, فإذا أهلكت السلعة دفع رب المال التعويض و هو القرض, أما إذا وصلت بسلام يدفع التاجر قسط التأمين و هي الفائدة. أما فيما يخص تقنيين التأمين فكان من طرف المشرع الفرنسي في القرن 17 و يرجع ذلك إلى السياسة التشجيعية للصناعة المنتهجة من طرف الدولة الفرنسية آنذاك, و التي يتطلب بالضرورة تأمين الأخطار التجارية الناتجة عن تصدير السلع المنتجة على البحار و المحيطات, و حذا حذوها كل من انجلترا و إيطاليا و هولندا و إسبانيا, كما أنشأت أول شركة للتأمين في إنجلترا سنة 1720 في مجال التأمين البحري, بعدما انتشرت عدة شركات في الدول الأوروبية.
كما ظهر التأمين البري إثر الحادثة التي وقعت في لندن بحرق 13000 منزل و حوالي 100 كنيسة, وتطور نشاط التأمين بعد ذلك خصوصا مع بداية الثورة الصناعية و انتشار الآلات في القرن 19, فظهر التأمين على المسؤولية و التأمين على حوادث المرور, و التأمين على الحياة. و اكتملت الصور المختلفة للتأمين للقرن 20 مع ظهور التكنولوجيا المختلفة, فكان التأمين على النقل البري و الجوي و محاضر الحرب, و التأمين على الزواج و الأولاد.
2- مفهوم التأمين:
لغة: التأمين من أمّن, أي اطمأن و زال خوفه, و هو بمعنى سكن قلبه, و كذلك تستعمل كلمة الأمن عند الخوف, و من ذلك قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم:" ءَامَنَهُم مِنْ خَوْفٍ" و كذلك: "وإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثابَةً ِللنَاسِ وَ أَمَناً"
و لقد لجأ الإنسان إلى عدة وسائل لتغطية الأضرار الناتجة عن المخاطر التي تصيبه في حياته منها الإدخار, التضافر, لكن تبين مع مرور الزمن أنها غير كافية لمواجهة ما يتعرض له فاهتدى إلى فكرة جديدة تقوم على أساس تضامن الجماعة و هدفها الأساسي التعاون على تغطية الضرر التي قد يصيب أحد أفراد الجماعة, فتضمن له الأمن و الأمان, ومن هنا اشتقت كلمة التأمين التي ندرجها حسب التعاريف التالية:
حسب الفقيه جيرار: " التأمين عملية تستند إلى عقد احتمالي من عقود الضرر ملزم للجانبين يتضمن لشخص معين مهدد بوقوع خطر معين المقابل الكامل للضرر الفعلي الذي يسبب هذا الخطر له".
وحسب Besson : " التأمين هو عملية بمقتضاها يتعهد طرف يسمى المؤّمن تجاه طرف آخر يسمى المؤّمن له مقابل قسط يدفعه هذا الأخير له بأن يعوضه عن الخسارة التي ألحقت به في حالة تحقيق الخطر"
و باختصار نستنتج بأن التأمين هو عبارة عن العقد بين المؤّمن و المؤّمن له. فيلتزم الأول بدفع القسط, و الثاني بدفع مبلغ التأمين في حالة وقوع الخطر, و يعتبر هذا الضمان جوهر العملية التأمينية و تحقيقه يبقى محتملا غير مؤكد و غير مستبعد في آن واحد.
و لقد عرف المشرع الجزائري في المادة 619 من القانون المدني الجزائري :" التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغ من المال, في حالة وقوع الحادث أو تحقيق الخطر المبين في العقد و ذلك مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤدي بها تالمؤّمن له للمؤمن"
المطلب الثاني: أسس التأمين
لقد اختلف الفقهاء في بيان تحديد أسس التأمين, فمنهم من يركز على الأساس الإقتصادي و الأخر على الأساس القانوني, و منهم من يرى أنه أساس فني.
1- الأساس الإقتصادي للتأمين:
يعتمد بالأخص على نظريتين إلا أنهم اختلفوا حول معيار تحديد هذا الأساس فمنهم من يرجعها إلى فكرة الحاجة و البعض الآخر يرجعها إلى فكرة الضمان.
نظرية التأمين و الحاجة:
يركز أصحاب هذه الفكرة بأن التأمين هو ناتج عن الحاجة للحماية و الأمن, و ذلك أنّ أي خطر يحتمل الوقوع في المستقبل يدفع الإنسان إلى حماية نفسه و ممتلكاته من هذا الخطر. فهاته النظرية تمتاز بكونها تفسر كافة أنواع التأمين من الأضرار حيث توجد الحاجة للحماية من خطر معين, كما أنها تفسر غالبية أنواع التأمين لكن يؤخذ عليها أنها غير مانعة و غير جامعة. غير مانعة لأنها لا تمنع دخول أنظمة أخرى في نطاقها غير التأمين , و غير جامعة لأنها لا تحيط بكل أنواع التأمين حيث توجد بعض أنواع التأمين لا ينطبق عليها معيار الحاجة الذي بنيت عليه هذه النظرية.
نظرية التأمين و الضمان:
يعتمد أصحاب هذه النظرية على أنّ الخطر يسبب للإنسان حالة عدم ضمان اقتصادية تتمثل في تحديد المركز المالي و الإقتصادي و التأمين هو الذي يحقق من الناحية المادية ضمان لهذا المركز الإقتصادي المهدد. و يؤخذ على هذه النظرية أنها لا تتصدى لبيان أساس التأمين, ذلك أن معيار الضمان التي تقوم عليه هاته النظرية ليس إلا نتيجة من النتائج التي يترتب على التأمين بعد إبرامه. و من ثم لا تصلح أساسا له , زيادة عن ذلك فإن الضمان لا يقتصر على التأمين فقط حيث تحقق أنظمة أخرى للأفراد هاته الخاصية دون أن يطلق عليها صفة التأمين.
2- الأساس القانوني للتأمين:
يرى أنصار هذا المذهب أي أساس التأمين قانوني محظ لكن اختلفوا في كيفية تحديد معيار أو العنصر الذي يعتمد عليه, فالبعض يرى أن الخطر هو المعيار القانوني المحدد للتأمين الذي ينتج عنه الضرر الذي يسببه الضرر, بينما يرى طرف آخر بأن التعويض أي مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمن للمؤمن له. وهو المعيار القانوني للتأمين.
-نظرية التأمين و الضرر:
يرى هذا الإتجاه أن التأمين لابد أن يستهدف إصلاح ضرر محتمل, إذ أن التأمين هو نظام الحماية من أخطار محتملة الوقوع في المستقبل, وهو لا يحقق هاته الحماية إلا إذا كان الهدف منه إصلاح الضرر الذي يسببه الخطر و يصيب ذمة الإنسان المالية, و على ذلك فإن الضرر هو أساس التأمين.
و نلاحظ بأن هذا المعيار لا يصلح أساسا لكافة أنواع التأمين على الرغم من أن أنصار هذه النظرية يؤكدون على وجود عنصر الضرر فيها.
- نظرية التأمين و التعويض:
يرى أنصار النظرية أن أساس التأمين ليس الضرر في حدّ ذاته, و إنما الهدف من التأمين هو التعويض, أي مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمن للمؤمن له عند وقوع الخطر, لأن هذا التعويض يوجد في كافة أنواع التأمين عكس الخطر الذي ينعدم في بعض أنواع التامين.
و يؤخذ على هذه النظرية بأنها لا تتفق مع الطبيعة الحقيقية لعملية التأمين و هي حماية الإنسان من الخطر و الأسس الفنية التي تقوم عليها .
3- الأساس الفني للتأمين:
يرى الفقهاء الذين نادوا بهذا المذهب تأسيس التأمين وفق أسس فنية وذلك بإحداث عملية تعاون يقوم بها المؤمن بتنظيمها بتجميع المخاطر التي يتعرض لها و إجراء المقاصة وفق قوانين الإحصاء, غير أنهم انقسموا إلى فريق النادي بحلول التعاون المنظم على أساس سبيل التبادل المبني على الصدفة البحتة, و فريق ينادي بنظرية التأمين كمشروع منظم فنيا.
-نظرية حلول التعاون علة سبيل التبادل محل الصدفة البحتة:
تعتمد هذه النظرية في حقيقة الأمر على عملية التعاون بين المؤمن لهم الذين توجهون مخاطر متشابهة, فالمؤمن لهم هم الذين يضمنون تغطية مخاطرهم بأنفسهم و يقتصر دور المؤمن على الإدارة و التنظيم, التعاون بين الأعضاء وفقا لأسس فنية تحدد منذ قبل كتحديد القسط الذي يدفعه كل عضو مع درجة احتمال وقوع الخطر.
لقد اعتمدت هذه النظرية على الأساس الفني مهملة الأساس القانوني الذي هو مكمل للجانب الفني للتأمين, و هذا ما يولد نقص فيما مدى فعالية هذه العملية إذا اهتمت بعملية التعاون المنظم الذي يقوم بجلب المنفعة للمؤمن و لم تهتم بمركز المؤمن له و حقوقه و التزاماته و بالتالي هناك فجوة في هاته النظرية يستوجب عل المشروع إستدراكها و ذلك من خلال الجمع بين كل من المعيار القانوني و المعيار الفني للتأمين.
- نظرية التأمين كمشروع منظم فعليا:
يعتقد أصحاب هذه النظرية أن عقد التأمين يتطلب مشروع منظم لأنه ليس كباقي العقود لأنه ينطوي على عملية فنية تهدف إلى تجميع المخاطر و إجراء المقاصة و تحديد القسط الذي يدفعه المؤمن و لذلك فإن عقد التأمين لابد أن يبرم عن طريق هذا المشروع المنظم فنيا. هذا التنظيم هو الذي يعتبر الأساس الفني للتأمين, و قد أنجبت هذه النظرية عنصرا جديدا وهو المعيار الفني لعقد التأمين غير أنه غير كافي , لأن المعيار التي تأخذ به هذه النظرية لا يقتصر على التأمين حيث يوجد العديد من عمليات المضاربة تدار بواسطة مشروعات منتظمة فنيا, دون أن يطلق عليها وصف التأمين.
مما سبق يظهر بأن النظريات السابقة تنظر إلى جانب واحد من جوانب التأمين حيث يقتصر بعضها على الجانب الإقتصادي و البعض الآخر على الجانب القانوني و الفني, لكن في حقيقة الأمر لا يمكن الإستغناء عن معيار من هذه المعايير الثلاث أو الفصل بينهما في عقد التأمين, إذاً فالتأمين هو التعاون بين المؤمن لهم القائم على أسس فنية الذي ينظمه المؤمن و يلتزم فيه بتغطية الخطر مقابل التزام المؤمن لهم بدفع الأقساط, من هذا نستنتج بأن عقد التأمين ينطوي على أسس قانونية و اقتصادية و فنية تجعله مميز عن باقي العقود الأخرى.
إرسال تعليق