يهدف
قانون المسطرة المدنية بشكل عام إلى حماية حقوق المتقاضين مدعين كانوا أو
مدعى عليهم. غير أن هذه الحماية لا تتحقق على الوجه الذي يتوخاه هؤلاء بسبب
طول الإجراءات وبطئها، وخاصة لأن من شأن ذلك تفويت الحقوق على أصحابها
وإلحاق أضرار بمصالحهم، لذلك عمد المشرع الإجرائي المغربي كغيره من
التشريعات الأخرى إلى تخصيص قواعد متميزة لبعض المنازعات تساير طابعها
الإستعجالي، وتعرف هذه القواعد عادة بالمساطر الإستعجالية.
فالمساطر الإستعجالية ضمانة أخرى يمنحها قانون المسطرة المدنية للمتقاضين، إذ يصبح التقييد بالآجال والإجراءات العادية غير كاف للحفاظ على حقوقهم، الأمر الذي دفع بالمشرع إلى تخصيص نصوص فريدة تعالج القضايا التي تتميز بالطابع الإستعجالي، وهي في القانون المغربي، الأوامر المبنية على طلب ( مبحث أول ) والمعاينات ( مبحث ثاني ) ومسطرة الأمر بالأداء ( مبحث ثالث ) وقضايا الأمور المستعجلة ( مبحث رابع ). ولقد نص المشرع المغربي على المساطر الإستعجالية ومسطرة الأمر بالأداء في الفصول من 149 إلى 154 من قانون المسطرة المدنية، ثم الفصول من 155 إلى 165.
المبحث الأول: الأوامر المبنية على الطلب والمعاينات
ينص الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية على (يختص رؤساء المحاكم الابتدائية وحدهم بالبت في كل مقال يستهدف الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أية مادة لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف. ويصدرون الأمر في غيبة الأطراف دون حضور كاتب الضبط بشرط الرجوع إليهم في حالة وجود أية صعوبة.
يكون الأمر في حالة الرفض قابلا للاستيناف داخل خمسة عشر يوما من يوم النطق به عدا إذا تعلق الأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار. ويرفع هذا الاستيناف أمام محكمة الاستيناف.
إذا عاق الرئيس مانع ناب عنه أقدم القضاة.
يقوم عون كتابة الضبط المكلف بإنذار أو بإثبات حالة بتحرير محضر يثبت فيه باختصار أقوال وملاحظات المدعى عليه الاحتمالي أو ممثله ويمكن تبليغ هذا المحضر بناء على طلب الطرف الملتمس للإجراء إلى كل من يعنيه الأمر، ولهذا الأخير أن يطلب في جميع الأحوال نسخة من المحضر.
إذا لم يكن القيام بالمعاينة المطلوبة مفيدا إلا بواسطة رجل فني أمكن للقاضي تعيين خبير للقيام بذلك).
فالأمر المبني على الطلب، إختصاص ولائي يمارسه رئيس المحكمة الإبتدائية عملا بالفصل 148، ومن صوره المقالات الرامية إلى إثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أي مادة ما لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف.
المطلب الأول: مسطرة إصدار الاوامر المبنية على الطلب و المعاينات
الفقرة الأولى: كيفية تقديم الطلب.
ليس من المستساغ تقديم الطلب في نطاق الفصل 148 من ق.م.م، بشكليات من شأنها أن تحيد بهذه المسطرة عن الهدف الذي من المفروض أن تحققه ألا وهو تأمين الحماية العاجلة للحقوق لذا، فإنه يكتفي فيه بالبيانات الضرورية، ويرفع وفق الصيغة القانونية المقررة له، إلى رئيس المحكمة الإبتدائية، مصحوب بالمستندات التي تؤيده.
الفقرة الثانية: الجهة المختصة بالبت في الطلب
ينفرد رئيس المحكمة الإبتدائية وحده دون رئيس محكمة الإستئناف في البت في الأوامر المبنية على الطلب، وهذا راجع لكون قانون المسطرة المدنية لم يرد فيه أي نص يخول رئيس محكمة الإستئناف الإختصاص في الأوامر السابق ذكرها.
هذا، ويقوم عون كتابة الضبط المكلف بغنذار أو بإثبات حالة، بتحرير محضر يثبت فيه بإختصار، أقوال وملاحظات المدعى عليه أو ممثله، ويبلغ بناء على طلب الطرف الملتمس للإجراء، إلى كل من يعنيه الأمر، ولهذا الأخير أن يحصل على نسخة منه.
أما إذا كانت المعاينة تستدعي رجلا فنيا، فإنه يمكن للقاضي تعيين خبير لمباشرتها.
الفقرة الثالثة: طريقة البت في الطلب
إن النظر في الطلب موضوع الفصل 148 لا يخضع للقواعد المالوفة للبت في الدعاوى وإصدار الأحكام، من ذلك أن الرئيس ينظر فيه وحده في غياب الأطراف، ودون حضور كاتب الضبط، ثم يصدر أمره الذي لم يشترط المشرع تعليله بخلاف الأحكام القضائية التي استلزم ان تكون دائما معللة وإن كان المنطق يقتضي تسبيب الأمر الصادر بالرفضن لا سيما وأنه يقبل الطعن بالإستئناف.
المطلب الثاني: الطعن في الأوامر المبنية على الطلب والمعاينات
الفقرة الأولى: صدور الأمر بالقبول
بديهي أنه متى صدر الأمر بقبول الطلب، فإنه يتم تنفيذ الإجراء اللازم المبين فيه طبقا لمقتضى الفصل 148 من ق.م.م.
الفقرة الثانية: صدور الأمر بالرفض
يكون الأمر في حالة الرفض، قابلا للإستئناف داخل خمسة عشر يوما من يوم النطق به، عدا إذا تعلق الأمر بغثبات حال أو توجيه إنذار، ويرفع هذا الإستئناف أمام محكمة الإستئناف.
وعليه فإن الأمر الصادر بالرفض يقبل الغستئناف لدى محكمة الدرجة الثانية، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ النطق به، لا من تاريخ تبليغه، على ألا يتعلق الطلب بإثبات حال أو توجيه إنذار، المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 148، إذ يكون الأمر الصادر برفضهما غير قابل لأي طعن.
المبحث الثاني: المستعجلات أو قضاء الأمور المستعجلة
يقال "إن القضاء هو فن إنهاء الخصومات والدعاوى"، ولن يبلغ هذا الفن مرتبته الراقية إلا بربطه بعامل الزمن، لأن المتقاضي يرغب في معرفة الحلول القضائية التي تخصصها المحكمة لدعواه في أقرب وقت ممكن ومناسب، فالبطء في الأحكام قد يسبب أضرارا متفاوتة الخطورة، مما يجعل لوحة العدالة باهتة.
وعلى الرغم من اجتهاد المشرع المسطري في تبسيط الإجراءات والمسطرات العادية، وإسناد أمر تسييرها للقاضي بعيدا عن رغبات وأهواء المتقاضين، فقد بدا أنها لا تفي بتحقيق الحماية القضائية الواجبة لبعض المراكز والأوضاع القانونية، بحيث كان سلوك المسطرة العادية للتقاضي بآجالها وإجراءاتها غير منتج ولا مجد، بل قد يضر ببعض المصالح نتيجة إصدار القرار بعد فوات الأوان.
وزاد الأمر حدة بعد أن تطورت الحياة الاقتصادية وتشعبت المعاملات التجارية وتعقدت العلاقات الاجتماعية، فلم يجد المشرع بدا من استحداث مؤسسة جديدة للقضاء، تتسم بالسرعة وقصر الآجال واختصار الإجراءات المسطرية العادية من أجل استصدار قرار كفيل بصيانة الحقوق والمصالح بكيفية مؤقتة ودون المساس بالجوهر، فكانت مؤسسة القضاء الاستعجالي وهي " مسطرة مختصرة تمكن الأطراف في حالة الاستعجال من الحصول على قرار قضائي في الحين، معجل التنفيذ في نوع من القضايا، لا يسمح بتأخير البت فيها من دون أن تسبب ضررا محققا‘‘.
أخذ المشرع المغربي بهذا النظام في حلته الحديثة في مسطرته المدنية لسنة 1913 وقد كان العمل به محصورا في المحاكم العصرية، ولم يعمم تطبيقه في جميع محاكم المملكة إلا بعد صدور ظهير التوحيد والمغربة والتعريب ابتداء من فاتح يناير 1966 وهو ما كرسه المشرع في قانون المسطرة المدنية الجديد الذي خصه بالبابين الأول والثاني من القسم الرابع.
ولئن كانت القواعد الموضوعية والإجرائية هي الكفيلة بتحديد أبرز معالم صورة مؤسسة القضاء المستعجل، فإننا بعد استقرائنا للنصوص المنظمة لها، سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال محورين اثنين: الأول موضوعي، يتعلق بشروط ومميزات هذا القضاء مع إبراز الجهة التي تختص به وتحديد معالم ونطاق ممارساتها، والثاني شكلي، يبرز شكل المساطر والإجراءات أمام هذا القضاء من إحالة الدعوى عليه إلى حين صدور الأمر وتنفيذه، وعليه ستكون خطة البحث على الشكل التالي:
المطلب الأول: شروط قضاء الأمور المستعجلة والجهة المختصة باليت فيها
الفقرة الأولى: شروط قضاء الأمور المستعجلة
يعرف قضاء الأمور المستعجلة بأنه: قضاء يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الأوان فصلا مؤقتا لا يمس اصل الحقن وإنما يقتصر على الحكم بإتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو إحترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين، وهو فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي، وهو ذو مسطرة مختصرة وغستثنائية وسريعة، ومصاريف قليلة، يسمح لمدع برفع دعوى استعجالية أمام قاض، يعرف بقاضي الأمور المستعجلة، يختص بالبت بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الإستعجال. من هذين التعريفين يتضح أن الشروط الاساسية التي يقوم عليها قضاء الأمور المستعجلة هي عنصر الإستعجال، وعدم المساس بالجوهر، لكن هذين الشرطين يصطبغان بالصبغة الموضوعية، ومن تم سنعرض لشروط شكلية أخرى إضافة إلى الشرطين المذكورين.
أولا: الشروط الموضوعية
1~ عنصر الإستعجال
أشرنا سابقا بأن الدعائم الأساسية التي يقوم عليها القضاء المستعجل والتي تميزه عن القضاء العادي هي عنصر الاستعجال وعدم المساس بالحق، ويقصد بعنصر الاستعجالي حسب بعض الفقهاء الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درئه عنه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده ويراد به حسب بعض الآخر حالة من الحالات تقتضي تدبيرا فوريا يخشى إن لم يتخذ هذا التدبير حدوث ضرر لا يمكن تداركه في المستقبل، وعرفه البعض الأخر بأنه ( قيام خطر حقيقي يخشى فوات الوقت وحدوث ضرر لا يمكن تلافيه إذا رجع المدعي لدرئه إلى القضاء العادي، وطبقت لذلك المسطرة العادية من استدعاء الخصوم أمام المحكمة، والتحقيق، واصدار الأحكام، وسلوك طرق الطعن العادية بشانها).
وهكذا يقوم الإستعجال على عدة مقومات هي:
~ أن يكون ثمة خطر حقيقي يهدد حقا مشروعا جديرا بالحماية السريعة.
~ أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه، أو مما يخشى تفاقم أمره إن لم تتم مواجهته على وجه السرعة.
~ أن يكون الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة إستعجالية خاصة غير المسطرة القضائية العادية.
ولا ينبغي أن نخلط بين الإستعجال والنظر في الدعوى على وجه السرعة. فقد يتبادر إلى الذهن غذا ما تمت قراءة الفصل 46 من ق.م.م، أن الأمر يتعلق بحالة الإستعجال، لكن الحقيقة أنه يتعلق بالبت على وجه السرعة تحقيقا للإنصاف والعدالة في دعوى معينة معروضة على أنظار القضاء، وذلك دون المساس بما يجعل القاضي يرضي ضميره، إذ لا يتصور أن نجبر القضاء على البت بسرعة في دعوى ما، دون أن يكون قد غقتنع بموقفه حيالها.
2~ عدم المساس بالجوهر
لم يضع المشرع المغربي تعريفا لمبدأ ( عدم المساس بالجوهر أو الموضوع ) وإنما اكتفى بالإشارة إليه في الفصل 152 من ق.م.م، إذ نص على أنه [ لا تبت الأوامر الإستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقتضي به في الجوهر].
وقد عرفه بعض الفقه بأنه كل ما من شأنه أن يمس بالسبب القانوني المحدد لحقوق والتزامات الأطراف بعضهم تجاه البعض الأخر.
يتبين من هذا التعريف أن عدم المساس بالموضوع أو الجوهر يراد به الا ينظر قاضي الأمور المستعجلة في موضوع الدعوى ولا في أصل الحق، على أن هذا لا يمنع من أن يتفحص موضوع الدعوى بشكل عرضي وبالقدر الذي يكفي لتكوين قناعته، كما لو تقدم شخص بطلب يرمي إلى وضع مال مشترك متنازع فيه تحت الحراسة القضائية، ففي هذه الحالة من اللازم على قاضي الأمور المستعجلة أن يتثبت من وجود الشركة ومن بقاء النزاع قائما بالفعل، وذلك كله قبل أن يصدر أمره بوضع المال المذكور تحت الحراسة.
ثانيا: الشروط والإجراءات الشكلية في القضاء الإستعجالي
انسجاما مع حالات الاستعجال التي تطبع هذا النوع من القضايا فقد أعطى المشرع بمقتضى الفصل 150 من ق.م.م للمتقاضي أن يقدم دعواه أمام قاضي المستعجلات في سائر الأيام ولو في أيام العطل الأسبوعية أو العطل الرسمية وقبل التسجيل في كتابة الضبط ودون أداء الرسوم القضائية مسبقا، وتقدم الدعوى الاستعجالية في بيت الرئيس في حالة الاستعجال القصوى، وعلى الرئيس أن يستدعي كاتب الضبط لمنزله للبت في القضية على أن تؤدى الرسوم القضائية فيما بعد، وعقد الجلسات في بيت الرئيس نادرة الوقوع إلى درجة الانعدام، وبعد تقديم المقال يعين الرئيس القضية في إحدى الجلسات ويستدعي لها الأطراف بالطرق العادية المنصوص عليها في الفصول 37/38/39، إلا إذا كان هناك استعجال كبير يؤدي تأخير القضية فيه إلى إحداث أضرار يستحيل دفعها ويصعب تداركها فيما بعد، فيمكن للرئيس الذي له كامل السلطة في تقدير حالة الاستعجال أن يستغني عن استدعاء الأطراف ويبت في القضية حسب الوثائق التي يدلي بها المدعي على شرط أن يحضر معه كاتب الضبط وأن تكون الجلسة علنية.
1~ الجهة المختصة بالنظر في القضايا الإستعجالية
يتضح من خلال الفصل 149 أن الأصل هو إسناد مهمة قاضي الأمور المستعجلة لرئيس المحكمة، إما رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الأحوال، والسبب في اعتبار هذا الإسناد أصلا، أن المشرع نص عليه صراحة في هذا الفصل حيث استعمل فيها لفظ "وحده" مما يبين أن مهمة قاضي المستعجلات، لا تسند إلا لرئيس المحكمة ما لم يكن هناك مقتضيات مخالفة.
لقد أسند المشرع المغربي لرئيس المحكمة الابتدائية وحده مهمة الفصل في القضايا المستعجلة، وإذا عاقه مانع أسندت تلك المهمة لأقدم القضاة العاملين بتلك المحكمة، وإسناد الاختصاص لرئيس المحكمة راجع لما يمتاز به من تكوين قضائي واسع و ثقافة قانونية شاملة، ناهيك عن الخبرة و الحكمة القضائيتين، وهذه شروط افترض المشرع توفرها في رئيس المحكمة مما يجعله الشخص المناسب والأقدر على تبوء مركز الرئاسة مما تتطلبه من سرعة البت، وإصدار الأمر بناء على ظاهر المستندات، أي دون البت في الجوهر، أما بالنسبة لأقدم القضاة الموجودين في المحكمة، والذي جعله المشرع قاضيا للأمور المستعجلة في حال ما إذا عاق الرئيس مانع قانوني، هو أمر لم يسلم من النقد، على اعتبار أن التخصص في المادة يعطي نتائج أفضل من الأقدمية العامة في السلك القضائي.
2~ الخصائص الأساسية المميزة للأوامر الإستعجالية
إن القضاء الاستعجالي قضاء استثنائي متميز عن القضاء العادي، ذو اختصاص ضيق و مقيد، فمن حيث الجهة الموكول إليها بالبت في الأمور المستعجلة، نجد بأن المشرع المغربي قد أسند لرئيس المحكمة الابتدائية أو لرئيس المحكمة الإدارية أو للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بحسب الأحوال، الاختصاص بالبت في الأمور المستعجلة ، أما من حيث ضيق الاختصاص، فلا ينعقد اختصاص قاضي الأمور المستعجلة إلا عند الضرورة التي لا تحتمل الانتظار.
ومن حيث القيد الوارد على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة فهو الناتج عن عدم جواز المساس بالموضوع، فعلى الرغم من توفر عنصر الاستعجال يكون القاضي الاستعجالي غير مختص بالبت في الطلب إذا كان في ذلك مساس بجوهر النزاع.
وقد ميز المشرع القضاء الاستعجالي ببساطة الإجراءات، وقصر الآجال، و أعفى الخصوم من بعض الشكليات، و جعل أوامر قاضي الأمور المستعجلة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، و لم يسمح بالطعن فيها عن طريق التعرض.
و يتميز القضاء الاستعجالي عن قضاء الموضوع بالخصائص التالية:
. ~ إمكانية إصدار الأوامر الاستعجالية بالسرعة المناسبة
. الاستغناء عن إجراءات المسطرة الكتابية ~
. ~ مرونة شروط رفع الدعوى الاستعجالية
. ~ الأوامر الاستعجالية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون
~ الأوامر الاستعجالية لا تقبل الطعن بالتعرض، ولا الطعن بإعادة النظر، ويجوز الطعن ضدها بالاستئناف فقط.
3~ مجال إختصاص القضاء الإستعجالي
لا خلاف في أن اختصاص القضاء الإستعجالي، اختصاص غير محدد بمجال أو نطاق محصور، ومن ثم فإن الحالات اللتي ساقها المشرع سواء في قانون المسطرة المدنية الذي يعنينا في هذه الدراسة أو في قوانين أخرى، إنما هي واردة على سبيل المثال فحسب، منها:
أ~ إثبات حال وتوجيه إنذار
تعتبر دعوى إثبات الحال من الدعاوى الوقتية التي يقصد بها تصوير حالة مادية يخشى ضياع معالمها إذا انتظر طرح النزاع على قضاء الموضوع، وهكذا نص المشرع صراحة على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالبت في المقال الذي يستهدف الحصول على أمر في إثبات الحال.
فإثبات الحال هو وصف لحالة راهنة يخشى اندثارها و زوالها، و ذلك حتى يستفيد منها المدعي عند عرض النزاع على محكمة الموضوع، لذا فدعوى إثبات الحال تبقى مجرد دعوى مستعجلة ووقتية لا تمس أصل الحق، وحتى يتم قبولها ينبغي ألا يترتب عن إصدار الأمر إضرار بحقوق الأطراف أو المساس بجوهر الحق، وذلك كما اقتضى الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، لذا لا تقبل دعوى إثبات الحال إذا تضمنت اعتداء على أحد الأشخاص أو شخصه أو جسمه، كالكشف عن جسم امرأة جبرا أو لإثبات حمل.
وتصدر الأوامر بناء على طلب في غيبة الأطراف ودون حضور كاتب الضبط، وبالتالي دون انعقاد جلسة ومن غير تحرير أمرها وفق الصيغ التي يتطلبها الفصل 50 من ق.م.م، كما أنها غير قابلة للإستئناف إلا في حالة الرفض، وذلك داخل 15 يوما من تاريخ صدورها، وإن كانت قلما تستأنف من الناحية العملية، لأنه في حالة رفض الطلب وبغية مفاجأة الطالب المطلوب، يفضل الطالب أن يعيد الكرة المرة بعد المرة على أن يقوم بالاستئناف.
ب~ الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ
إن الصعوبات المتعلقة بتنفيذ الحكم، هي تلك المنازعة القانونية أو الواقعية التي يثيرها المهدد بالتنفيذ، أو المنفذ ضده، أو أي طرف يمس التنفيذ بمصالحه بناء على ادعاءات يتمسك بها، بحيث لو صحت لأثرت في التنفيذ فيصبح التنفيذ جائرا أو غير صحيح أو باطلا، من هنا يتبين لنا أن الصعوبة في التنفيذ ترمي إلى منازعة تطرح بصددها خصومة على القضاء.
ج~ الأمر بالحراسة القضائية
من أهم التطبيقات العملية للقضاء المستعجل هي إجراء الحراسة القضائية، مما جعل المشرع في الفصل 149 من ق.م.م، ينص عليها صراحة إلى جانب الصعوبات المتعلقة بالتنفيذ والإجراءات التحفظية، التي تعتبر الحراسة القضائية من بينها، وذلك لإبراز أهميتها القصوى لما تلعبه من دور كبير في توازن الحياة الإقتصادية نظرا لتشعب المعاملات المدنية وما ينجم عنها من مشاكل وارتفاع كبير في حجم المنازعات، فأقر المشرع نظام الحراسة القضائية رغبة منه في تأمين وتحصين حقوق الأطراف إلى أن يقع الفصل في موضوع النزاع.
وتبرز أهمية الحراسة القضائية في الحلول العاجلة التي تقدمها لصيانة المعاملات الكبرى والإستثمارات الواسعة التي تمخضت عن التطور الإقتصادي الحديث مما جعلها تحتل المرتبة الأولى في الإجراءات التحفظية التي يمكن للقضاء المستعجل أن يتخدها، فهي أفضل من الحراسة الإتفاقية التي تقلصت أهميتها أمام الحراسة القضائية لما لسلطة القضاء من ضمان سير اجراءات الحراسة على وجهها الصحيح. ولما تشكله الحراسة القضائية من قيد مؤقت على حرية التملك، من جهة، ولما لها من أهميةخاصة من جهة أخرى، فأتى القضاء ليوازن بين حسنات الحراسة القضائية وشرورها فانه لا يتخذ إجراء الحراسة القضائية إلا كلما دعت الضرورة القصوى إلى ذلك، وكلما كانت هي الوسيلة الفعالة والإيجابية للمحافظة على مصالح وحقوق الأطراف فهي سلاح ذو حدين يجب أن يحسن استعماله وإلا انقلب الإجراء شرا واعطى نتائج عكسية على مصالح الأطراف أولا، وعلى الصالح العام أخيرا.
ومن خلال الفصل 818 من ق ل ع، يمكن ان نعرف الحراسة القضائية بانها اجراء تحفظي مؤقت لا يمس جوهر الحق، يتمثل في الإيداع المادي للشيء محل النزاع بين يدي الغير، ويأمر به القضاء بناء على طلب واحد أو أكثر من ذوي الشأن، في حالة قيام النزاع بينهم على ملكية أو حيازة منقول أو عقار أو في الحالات الأخرى التي يحددها القانون.
المبحث الثالث: مسطرة الأمر بالأداء
نظام مسطرة الأمر بالأداء طريقة ابتدعها المشرع وجعلها تحت تصرف الدائن ليطالب بحقه في غيبة خصمه، وقد قصد المشرع من إحداثها تمكين الدائن من دينه في أقرب وقت وبأقل مصاريف.
فمن حيث الرسوم القضائية لا تتعدى هذه الرسوم 100 درهم كيفما كان مبلغ الدين المطلوب، ومن حيث السرعة، فإن البت فيها لا يتطلب استدعاء الأطراف ولا عقد جلسة ولا حضور كاتب الضبط، وإنما يبت فيها الرئيس حالا وفي مكتبه، ويبلغ إلى المحكوم عليه الأمر الصادر في القضية.
وقد عالج المشرع هذه المسطرة في الفصول من 155 إلى 165 ق م م.
المطلب الأول: ماهية مسطرة الأمر بالأداء
الفقرة الأولى: المقصود بمسطرة الأمر بالأداء
من المعلوم ان الدعوى في مجراها الطبيعي تتطلب آجالا قد تطولن للإدلاء بالمستندات وإعداد مذكرات الدفاع والتحقيق، وما إليها من الإجراءات التي تمتد مع سير الخصومة.
غير أن هناك نوع من القضايا يتميز بكون الديون فيه ثابتة في سندات مكتوبة رسمية أو عرفية، وبكونها مستحقة الأداء، وضع له المشرع مسطرة خاصة تختلف عن المسطرة العادية، ألا وهي مسطرة الأمر بالأداء.
الفقرة الثانية: طبيعة مسطرة الأمر بالأداء
يبدو من المحتوى العام للفصول المشار إليها أعلاه، أن مسطرة الأمر بالأداء من نوع خاص، حيث تمكن الدائن من استصدار أمر من القضاء بإستيفاء دينه وفق إجراءات سريعة وبسيطة، ذلك أنها تتم دون مرافعة، وفي غياب الأطراف وكاتب الضبط، فضلا عن أن المشرع قلص في إطارها من طرق الطعن ومن مواعيد ممارستها.
المطلب الثاني: شروط إصدار أوامر الأداء
يعتبــر سلــوك مسطرة الأمر بالأداء في قانــون المسطرة المدنية المغربي جوازيــا بالنسبــة للدائــن ، أي أنــه إن أراد الاقتصاد في الوقــت و النفقــات أن يسلــك مسطرة الأمر بالأداء و إذا لــم يرد سلــوك مثل هذه المسطرة فلــه أن يطلــب تعويضــا عن التأخيــر بالإضافــة إلى أصــل الديــن أو يطلــب تحديد الإكــراه البدنــي في حالــة عدم وجود ما يحجز لدى المديــن فلــه أن يسلــك الطريــق العادي بينمــا ألزم قانون المرافعــات المدنيــة المصري الدائــن متى توفرت لــه شروط الأمر بالأداء أن يقدم دعــواه في مسطرتهــا و إلا كانــت دعــوى غير مقبــولــة و تقضى المحكمــة تلقائيــا بذلــك ، تنقســم هذه الشروط إلى شروط موضوعيــة تتعلــق بصفــات الديــن و مقداره ، و أخرى شكليــة تتعلــق بكيفيــة تقديــم طلــب الأمر بالأداء.
الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية
أولا : أن يكــون المطلــوب هو الحصــول على مبلــغ مالي
ينصب طلب الأمر بالأداء على المال دون غيره، وانتفاء هذا الشرط يؤدي لرفض الطلب لإنعدام شرط جوهري للإستفادة من مسطرة الأمر بالأداء، وبذلك أخرج المشرع جميع المعاملات الاخرى التي لا تنصب على النقود بشكل مباشر، والتي يبقى النزاع حولها خاضع للمسطرة العادية، لأنها تحتاج تحقيق وتدقيق ووثائق ومستندات وأحيانا شهود وخبرة لتفصل هيئة المحكمة فيها، خاصة ان مسطرة الامر بالأداء مسطرة إستثنائية كما سبق ذكر ذلك مقيدة بشروط محددة تكون فاصلة إن توفرت في الطلب المقدم، وبالتالي فهي لا توازي المسطرة العادية في التشعي و الإجراءات.
ثانيا: أن يتجاوز المبلغ المطلوب 1000 درهم
إن كل طلب أمر بالأداء يقل عم ألف درهم يكون مصيره الرفض لعدم توفر شرط جوهري نص عليه كذلك الفصل 155 من ق م م، وهو تجاوز قيمة الطلب 1000 درهم، وكل مبلغ يقل عن ذلك يبقى للدائن فيه سلك المسطرة العادية ( قسم قضاء القرب بالمحكمة الإبتدائية المختص بالبت في القضايا ذات القيمة التي تقل عن 5000 درهم )، فالقيمة المحددة في تجاوز 1000 درهم شرط ضروري لقبول طلب الأمر بالأداء للنظر في مدى توفر الشروط الأخرى.
ثالثا: أن يكون مبلغ الدين تابثا ومحددا
أوجب المشرع ضمن الشروط الواجب توفرها في طالب مسطرة الأمر بالأداء أن يكون مبلغ الدين المطالب به تابتا ومحددا، بمعنى أن ينص في سند الدين على مبلغ واضح ومحدد لا يشوبه اي غموض من حيث قيمته ولا يحتمل الترجيح أو البينة، ولأن مسطرة الأمر بالأداء سريعة وأستثنائية فكان لزاما على المشرع تقييدها بهذا الشرط الذي له أهمية في التخفيف من الطلبات التي لا يتوفر فيها عنصر الدقة في قيمتها والتحديد في مبلغ الدين فيها، وبالتالي تحتمل التنازع بين الدائن والمدين حول القيمة الحقيقية للدين وهو ما يمكن التوصل إليه عبر المسطرة العادية أمام المحاكم الإبتدائية أو داخل قسم قضاء القرب حسب معيار القيمة في النزاع.
رابعا: أن يكون الدين مستحقا
يعني قد جاء أجل الوفاء بالدين ولم يريد المدين أداءه بعد طلبه من طرف الدائن وبعد إخطاره بحلول آجال استيفاء الدين، فلا يقبل طلب الأمر بالأداء حول دين لم يأتي أجل استحقاقه، لأن ذلك يهدد الذمة المالية للمدين الذي من الممكن أن يكون في علاقة مديونية أخرى هو فيها الدائن ومرتبط أجل إستحقاقه للدين إستفاء الدين الأول في علاقته بالدائن.
خامسا: أن يتوفر المدين على موطن بالمغرب
لا يقبل طلب الدائن الذي يطلب استيفاء دين مدين يقطن خارج التراب الوطني وليس له موطن معروف بالمغرب ( الفصل 157 من ق م م ) لذلك كل طلب استيفاء دين من مدين ليس له موطن بالمغرب يكون مصيره الرفض والإحالة على المحكمة المتخصصة وفق الإجراءات العادية لإنعدام أحد شروط الإستفادة من المسطرة الإستثنائية المتعلقة بالأمر بالأداء، فلا يمكن أن يلاحق القضاء شخص على دين خارج التراب الوطني، بمعنى آخر أن الدائن هنا سيتحمل مسؤولية ثقته في شخص ليس له موطن في المغرب وتبعات هذه الثقة على صعوبة إستفاء هذا الدين وفق المسطرة العادية.
الفقرة الثانية: الشروط الشكلية
يقضي الفصل 156 من ق م م في فقرته الثانية والثالثة بما يلي:
يتضمن المقال الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن الأطراف مع البيان الدقيق للمبلغ المطلوب وموجب الطلب
يجب أن يعزز هذا الطلب بالسند الذي ينبث صحة الدين.
يستفاد من هذا الفصل أن مقال الأمر بالأداء يتطلب بعض البيانات التي يفرضها قانون المسطرة المدنية بالنسبة للمقالات عموما وهي طبق الأصل للبيانات التي يتطلبها مقال الدعوى والواردة في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية
إلى جانب ماسبق يجب أن يكون المقال مكتوبا وموقعا عليه من طرف الطالب أو وكيله وهذا على خلاف القواعد المنصوص عليها في الفصل 31 من ق م م الذي ينص على على أنه يمكن رفع الدعوى إما بمقال مكتوب أو بمجرد تصريح شفوي يدلي به المدعي ويحرره أعوان كتابة الضبط على شكل محضر يوقع عليه المدعي أو وكيله يشار إلى انه لا يمكنه التوقيع.
الفقرة الثالثة: تبليغ وتنفيذ الأمر الصادر بالأداء
أولا: التبليغ
فيما يخص تبليغ الأمر الصادر بالأداء نجد أن المشرع ينص من جهة على "أن الأمر الموافق للطلب يبلغ إلى المدعى عليه الذي يجب عليه أن يدفع المبلغ المحكوم به في ظرف 8 أيام الموالية للتبليغ وإلا اجبر على الأداء بكل الطرق القانونية وخاصة بطريق حجز أمواله المنقولة.
ومن جهة ثانية فهو يقضي" بأن وثيقة التبليغ تشتمل على نسخة من المقال وسند الدين والأمر بالأداء وإنذار المدين بوجوب تسديد مجموع مبلغ الدين والصائر المحدد في الأمر مع إشعاره..........وإلا أصبح الأمر بالأداء مشمولا بالنفاد المعجل.
لكن بما أن سند الدين يعتبر حجة بيد الدائن ومن ثم لا يسوغ تبليغه إلى المدين تفاديا لضياعه فان المجلس الأعلى تنبه لهذه النقطة وقضى في قرار له مؤرخ في 29 أكتوبر 1986
"ليس من المنطق أن يبلغ مع الأمر بالأداء سند الدين لما في ذلك من تعريضه للضياع وليس في الفصل 161 المحتج به ما يقتضي ذلك وإنما يوجب أن تشتمل وثيقة التبليغ على ملخص المقال وعلى مجرد التعريف بسند الدين كمبيالة أو فاتورة أو عقد عرفي.
ثانيا: التنفيذ
أما بالنسبة للتنفيذ فيبدوا أنه إذا لم ينفد المدين الأمر الصادر ضده أو لم يقدم طلب استئناف في ظرف 8 أيام الموالية للتبليغ المسلم له شخصيا ا والى موطنه فان الأمر الصادر بالأداء يصير بحكم القانون قابلا للتنفيذ المعجل على الأصل ,كذلك إذا رفض طلب الاستئناف فان الأمر يكتسب كل مفعوله ويصبح قابلا للتنفيذ المعجل بقوة القانون.
ومع ذلك يجوز للقاضي سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية أن يمنح للمحكوم عليه أجلا للوفاء بالدين على أن يتم ذكر ذلك في الأمر أو القرار أي حينما تحكم المحكمة بالأداء أو تؤيد محكمة الدرجة الثانية الأمر الصادر بالأداء إذا اتضح من أوراق الملف أن تأخر المدين يعزى إلى أمور خارجة عن إرادته.
وككلمة وجيزة أختم بها هذه الإطلالة على مسطرة الأمر بالأداء نشير إلى انه يمارس رؤساء المحاكم التجارية علاوة على الاختصاصات المخولة لهم في المادة التجارية تلك المسندة إلى رؤساء المحاكم الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية منها البث في القضايا الاستعجالية وإصدار أوامر مبنية على طلب وأوامر بالأداء مبينة على الأوراق التجارية والسندات الرسمية وذلك بموجب الفصل 21 من قانون 53.95 القاضي بإحداث المحاكم التجارية.
وفيما يرجع لمسطرة الآمر بالأداء يبدوا لي من من وجهة نظري أن الاختصاص يخضع للقواعد الوارد في قانون المسطرة المدنية سواء فيما يخص شروط استعمال مسطرة الأمر بالأداء او سلطة رئيس المحكمة في إصدار الأمر مع الأخذ بعين الاعتبار الدين وقيمته.
فالمساطر الإستعجالية ضمانة أخرى يمنحها قانون المسطرة المدنية للمتقاضين، إذ يصبح التقييد بالآجال والإجراءات العادية غير كاف للحفاظ على حقوقهم، الأمر الذي دفع بالمشرع إلى تخصيص نصوص فريدة تعالج القضايا التي تتميز بالطابع الإستعجالي، وهي في القانون المغربي، الأوامر المبنية على طلب ( مبحث أول ) والمعاينات ( مبحث ثاني ) ومسطرة الأمر بالأداء ( مبحث ثالث ) وقضايا الأمور المستعجلة ( مبحث رابع ). ولقد نص المشرع المغربي على المساطر الإستعجالية ومسطرة الأمر بالأداء في الفصول من 149 إلى 154 من قانون المسطرة المدنية، ثم الفصول من 155 إلى 165.
المبحث الأول: الأوامر المبنية على الطلب والمعاينات
ينص الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية على (يختص رؤساء المحاكم الابتدائية وحدهم بالبت في كل مقال يستهدف الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أية مادة لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف. ويصدرون الأمر في غيبة الأطراف دون حضور كاتب الضبط بشرط الرجوع إليهم في حالة وجود أية صعوبة.
يكون الأمر في حالة الرفض قابلا للاستيناف داخل خمسة عشر يوما من يوم النطق به عدا إذا تعلق الأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار. ويرفع هذا الاستيناف أمام محكمة الاستيناف.
إذا عاق الرئيس مانع ناب عنه أقدم القضاة.
يقوم عون كتابة الضبط المكلف بإنذار أو بإثبات حالة بتحرير محضر يثبت فيه باختصار أقوال وملاحظات المدعى عليه الاحتمالي أو ممثله ويمكن تبليغ هذا المحضر بناء على طلب الطرف الملتمس للإجراء إلى كل من يعنيه الأمر، ولهذا الأخير أن يطلب في جميع الأحوال نسخة من المحضر.
إذا لم يكن القيام بالمعاينة المطلوبة مفيدا إلا بواسطة رجل فني أمكن للقاضي تعيين خبير للقيام بذلك).
فالأمر المبني على الطلب، إختصاص ولائي يمارسه رئيس المحكمة الإبتدائية عملا بالفصل 148، ومن صوره المقالات الرامية إلى إثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أي مادة ما لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف.
المطلب الأول: مسطرة إصدار الاوامر المبنية على الطلب و المعاينات
الفقرة الأولى: كيفية تقديم الطلب.
ليس من المستساغ تقديم الطلب في نطاق الفصل 148 من ق.م.م، بشكليات من شأنها أن تحيد بهذه المسطرة عن الهدف الذي من المفروض أن تحققه ألا وهو تأمين الحماية العاجلة للحقوق لذا، فإنه يكتفي فيه بالبيانات الضرورية، ويرفع وفق الصيغة القانونية المقررة له، إلى رئيس المحكمة الإبتدائية، مصحوب بالمستندات التي تؤيده.
الفقرة الثانية: الجهة المختصة بالبت في الطلب
ينفرد رئيس المحكمة الإبتدائية وحده دون رئيس محكمة الإستئناف في البت في الأوامر المبنية على الطلب، وهذا راجع لكون قانون المسطرة المدنية لم يرد فيه أي نص يخول رئيس محكمة الإستئناف الإختصاص في الأوامر السابق ذكرها.
هذا، ويقوم عون كتابة الضبط المكلف بغنذار أو بإثبات حالة، بتحرير محضر يثبت فيه بإختصار، أقوال وملاحظات المدعى عليه أو ممثله، ويبلغ بناء على طلب الطرف الملتمس للإجراء، إلى كل من يعنيه الأمر، ولهذا الأخير أن يحصل على نسخة منه.
أما إذا كانت المعاينة تستدعي رجلا فنيا، فإنه يمكن للقاضي تعيين خبير لمباشرتها.
الفقرة الثالثة: طريقة البت في الطلب
إن النظر في الطلب موضوع الفصل 148 لا يخضع للقواعد المالوفة للبت في الدعاوى وإصدار الأحكام، من ذلك أن الرئيس ينظر فيه وحده في غياب الأطراف، ودون حضور كاتب الضبط، ثم يصدر أمره الذي لم يشترط المشرع تعليله بخلاف الأحكام القضائية التي استلزم ان تكون دائما معللة وإن كان المنطق يقتضي تسبيب الأمر الصادر بالرفضن لا سيما وأنه يقبل الطعن بالإستئناف.
المطلب الثاني: الطعن في الأوامر المبنية على الطلب والمعاينات
الفقرة الأولى: صدور الأمر بالقبول
بديهي أنه متى صدر الأمر بقبول الطلب، فإنه يتم تنفيذ الإجراء اللازم المبين فيه طبقا لمقتضى الفصل 148 من ق.م.م.
الفقرة الثانية: صدور الأمر بالرفض
يكون الأمر في حالة الرفض، قابلا للإستئناف داخل خمسة عشر يوما من يوم النطق به، عدا إذا تعلق الأمر بغثبات حال أو توجيه إنذار، ويرفع هذا الإستئناف أمام محكمة الإستئناف.
وعليه فإن الأمر الصادر بالرفض يقبل الغستئناف لدى محكمة الدرجة الثانية، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ النطق به، لا من تاريخ تبليغه، على ألا يتعلق الطلب بإثبات حال أو توجيه إنذار، المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 148، إذ يكون الأمر الصادر برفضهما غير قابل لأي طعن.
المبحث الثاني: المستعجلات أو قضاء الأمور المستعجلة
يقال "إن القضاء هو فن إنهاء الخصومات والدعاوى"، ولن يبلغ هذا الفن مرتبته الراقية إلا بربطه بعامل الزمن، لأن المتقاضي يرغب في معرفة الحلول القضائية التي تخصصها المحكمة لدعواه في أقرب وقت ممكن ومناسب، فالبطء في الأحكام قد يسبب أضرارا متفاوتة الخطورة، مما يجعل لوحة العدالة باهتة.
وعلى الرغم من اجتهاد المشرع المسطري في تبسيط الإجراءات والمسطرات العادية، وإسناد أمر تسييرها للقاضي بعيدا عن رغبات وأهواء المتقاضين، فقد بدا أنها لا تفي بتحقيق الحماية القضائية الواجبة لبعض المراكز والأوضاع القانونية، بحيث كان سلوك المسطرة العادية للتقاضي بآجالها وإجراءاتها غير منتج ولا مجد، بل قد يضر ببعض المصالح نتيجة إصدار القرار بعد فوات الأوان.
وزاد الأمر حدة بعد أن تطورت الحياة الاقتصادية وتشعبت المعاملات التجارية وتعقدت العلاقات الاجتماعية، فلم يجد المشرع بدا من استحداث مؤسسة جديدة للقضاء، تتسم بالسرعة وقصر الآجال واختصار الإجراءات المسطرية العادية من أجل استصدار قرار كفيل بصيانة الحقوق والمصالح بكيفية مؤقتة ودون المساس بالجوهر، فكانت مؤسسة القضاء الاستعجالي وهي " مسطرة مختصرة تمكن الأطراف في حالة الاستعجال من الحصول على قرار قضائي في الحين، معجل التنفيذ في نوع من القضايا، لا يسمح بتأخير البت فيها من دون أن تسبب ضررا محققا‘‘.
أخذ المشرع المغربي بهذا النظام في حلته الحديثة في مسطرته المدنية لسنة 1913 وقد كان العمل به محصورا في المحاكم العصرية، ولم يعمم تطبيقه في جميع محاكم المملكة إلا بعد صدور ظهير التوحيد والمغربة والتعريب ابتداء من فاتح يناير 1966 وهو ما كرسه المشرع في قانون المسطرة المدنية الجديد الذي خصه بالبابين الأول والثاني من القسم الرابع.
ولئن كانت القواعد الموضوعية والإجرائية هي الكفيلة بتحديد أبرز معالم صورة مؤسسة القضاء المستعجل، فإننا بعد استقرائنا للنصوص المنظمة لها، سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال محورين اثنين: الأول موضوعي، يتعلق بشروط ومميزات هذا القضاء مع إبراز الجهة التي تختص به وتحديد معالم ونطاق ممارساتها، والثاني شكلي، يبرز شكل المساطر والإجراءات أمام هذا القضاء من إحالة الدعوى عليه إلى حين صدور الأمر وتنفيذه، وعليه ستكون خطة البحث على الشكل التالي:
المطلب الأول: شروط قضاء الأمور المستعجلة والجهة المختصة باليت فيها
الفقرة الأولى: شروط قضاء الأمور المستعجلة
يعرف قضاء الأمور المستعجلة بأنه: قضاء يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الأوان فصلا مؤقتا لا يمس اصل الحقن وإنما يقتصر على الحكم بإتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو إحترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين، وهو فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي، وهو ذو مسطرة مختصرة وغستثنائية وسريعة، ومصاريف قليلة، يسمح لمدع برفع دعوى استعجالية أمام قاض، يعرف بقاضي الأمور المستعجلة، يختص بالبت بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الإستعجال. من هذين التعريفين يتضح أن الشروط الاساسية التي يقوم عليها قضاء الأمور المستعجلة هي عنصر الإستعجال، وعدم المساس بالجوهر، لكن هذين الشرطين يصطبغان بالصبغة الموضوعية، ومن تم سنعرض لشروط شكلية أخرى إضافة إلى الشرطين المذكورين.
أولا: الشروط الموضوعية
1~ عنصر الإستعجال
أشرنا سابقا بأن الدعائم الأساسية التي يقوم عليها القضاء المستعجل والتي تميزه عن القضاء العادي هي عنصر الاستعجال وعدم المساس بالحق، ويقصد بعنصر الاستعجالي حسب بعض الفقهاء الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درئه عنه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده ويراد به حسب بعض الآخر حالة من الحالات تقتضي تدبيرا فوريا يخشى إن لم يتخذ هذا التدبير حدوث ضرر لا يمكن تداركه في المستقبل، وعرفه البعض الأخر بأنه ( قيام خطر حقيقي يخشى فوات الوقت وحدوث ضرر لا يمكن تلافيه إذا رجع المدعي لدرئه إلى القضاء العادي، وطبقت لذلك المسطرة العادية من استدعاء الخصوم أمام المحكمة، والتحقيق، واصدار الأحكام، وسلوك طرق الطعن العادية بشانها).
وهكذا يقوم الإستعجال على عدة مقومات هي:
~ أن يكون ثمة خطر حقيقي يهدد حقا مشروعا جديرا بالحماية السريعة.
~ أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه، أو مما يخشى تفاقم أمره إن لم تتم مواجهته على وجه السرعة.
~ أن يكون الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة إستعجالية خاصة غير المسطرة القضائية العادية.
ولا ينبغي أن نخلط بين الإستعجال والنظر في الدعوى على وجه السرعة. فقد يتبادر إلى الذهن غذا ما تمت قراءة الفصل 46 من ق.م.م، أن الأمر يتعلق بحالة الإستعجال، لكن الحقيقة أنه يتعلق بالبت على وجه السرعة تحقيقا للإنصاف والعدالة في دعوى معينة معروضة على أنظار القضاء، وذلك دون المساس بما يجعل القاضي يرضي ضميره، إذ لا يتصور أن نجبر القضاء على البت بسرعة في دعوى ما، دون أن يكون قد غقتنع بموقفه حيالها.
2~ عدم المساس بالجوهر
لم يضع المشرع المغربي تعريفا لمبدأ ( عدم المساس بالجوهر أو الموضوع ) وإنما اكتفى بالإشارة إليه في الفصل 152 من ق.م.م، إذ نص على أنه [ لا تبت الأوامر الإستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقتضي به في الجوهر].
وقد عرفه بعض الفقه بأنه كل ما من شأنه أن يمس بالسبب القانوني المحدد لحقوق والتزامات الأطراف بعضهم تجاه البعض الأخر.
يتبين من هذا التعريف أن عدم المساس بالموضوع أو الجوهر يراد به الا ينظر قاضي الأمور المستعجلة في موضوع الدعوى ولا في أصل الحق، على أن هذا لا يمنع من أن يتفحص موضوع الدعوى بشكل عرضي وبالقدر الذي يكفي لتكوين قناعته، كما لو تقدم شخص بطلب يرمي إلى وضع مال مشترك متنازع فيه تحت الحراسة القضائية، ففي هذه الحالة من اللازم على قاضي الأمور المستعجلة أن يتثبت من وجود الشركة ومن بقاء النزاع قائما بالفعل، وذلك كله قبل أن يصدر أمره بوضع المال المذكور تحت الحراسة.
ثانيا: الشروط والإجراءات الشكلية في القضاء الإستعجالي
انسجاما مع حالات الاستعجال التي تطبع هذا النوع من القضايا فقد أعطى المشرع بمقتضى الفصل 150 من ق.م.م للمتقاضي أن يقدم دعواه أمام قاضي المستعجلات في سائر الأيام ولو في أيام العطل الأسبوعية أو العطل الرسمية وقبل التسجيل في كتابة الضبط ودون أداء الرسوم القضائية مسبقا، وتقدم الدعوى الاستعجالية في بيت الرئيس في حالة الاستعجال القصوى، وعلى الرئيس أن يستدعي كاتب الضبط لمنزله للبت في القضية على أن تؤدى الرسوم القضائية فيما بعد، وعقد الجلسات في بيت الرئيس نادرة الوقوع إلى درجة الانعدام، وبعد تقديم المقال يعين الرئيس القضية في إحدى الجلسات ويستدعي لها الأطراف بالطرق العادية المنصوص عليها في الفصول 37/38/39، إلا إذا كان هناك استعجال كبير يؤدي تأخير القضية فيه إلى إحداث أضرار يستحيل دفعها ويصعب تداركها فيما بعد، فيمكن للرئيس الذي له كامل السلطة في تقدير حالة الاستعجال أن يستغني عن استدعاء الأطراف ويبت في القضية حسب الوثائق التي يدلي بها المدعي على شرط أن يحضر معه كاتب الضبط وأن تكون الجلسة علنية.
1~ الجهة المختصة بالنظر في القضايا الإستعجالية
يتضح من خلال الفصل 149 أن الأصل هو إسناد مهمة قاضي الأمور المستعجلة لرئيس المحكمة، إما رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الأحوال، والسبب في اعتبار هذا الإسناد أصلا، أن المشرع نص عليه صراحة في هذا الفصل حيث استعمل فيها لفظ "وحده" مما يبين أن مهمة قاضي المستعجلات، لا تسند إلا لرئيس المحكمة ما لم يكن هناك مقتضيات مخالفة.
لقد أسند المشرع المغربي لرئيس المحكمة الابتدائية وحده مهمة الفصل في القضايا المستعجلة، وإذا عاقه مانع أسندت تلك المهمة لأقدم القضاة العاملين بتلك المحكمة، وإسناد الاختصاص لرئيس المحكمة راجع لما يمتاز به من تكوين قضائي واسع و ثقافة قانونية شاملة، ناهيك عن الخبرة و الحكمة القضائيتين، وهذه شروط افترض المشرع توفرها في رئيس المحكمة مما يجعله الشخص المناسب والأقدر على تبوء مركز الرئاسة مما تتطلبه من سرعة البت، وإصدار الأمر بناء على ظاهر المستندات، أي دون البت في الجوهر، أما بالنسبة لأقدم القضاة الموجودين في المحكمة، والذي جعله المشرع قاضيا للأمور المستعجلة في حال ما إذا عاق الرئيس مانع قانوني، هو أمر لم يسلم من النقد، على اعتبار أن التخصص في المادة يعطي نتائج أفضل من الأقدمية العامة في السلك القضائي.
2~ الخصائص الأساسية المميزة للأوامر الإستعجالية
إن القضاء الاستعجالي قضاء استثنائي متميز عن القضاء العادي، ذو اختصاص ضيق و مقيد، فمن حيث الجهة الموكول إليها بالبت في الأمور المستعجلة، نجد بأن المشرع المغربي قد أسند لرئيس المحكمة الابتدائية أو لرئيس المحكمة الإدارية أو للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بحسب الأحوال، الاختصاص بالبت في الأمور المستعجلة ، أما من حيث ضيق الاختصاص، فلا ينعقد اختصاص قاضي الأمور المستعجلة إلا عند الضرورة التي لا تحتمل الانتظار.
ومن حيث القيد الوارد على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة فهو الناتج عن عدم جواز المساس بالموضوع، فعلى الرغم من توفر عنصر الاستعجال يكون القاضي الاستعجالي غير مختص بالبت في الطلب إذا كان في ذلك مساس بجوهر النزاع.
وقد ميز المشرع القضاء الاستعجالي ببساطة الإجراءات، وقصر الآجال، و أعفى الخصوم من بعض الشكليات، و جعل أوامر قاضي الأمور المستعجلة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، و لم يسمح بالطعن فيها عن طريق التعرض.
و يتميز القضاء الاستعجالي عن قضاء الموضوع بالخصائص التالية:
. ~ إمكانية إصدار الأوامر الاستعجالية بالسرعة المناسبة
. الاستغناء عن إجراءات المسطرة الكتابية ~
. ~ مرونة شروط رفع الدعوى الاستعجالية
. ~ الأوامر الاستعجالية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون
~ الأوامر الاستعجالية لا تقبل الطعن بالتعرض، ولا الطعن بإعادة النظر، ويجوز الطعن ضدها بالاستئناف فقط.
3~ مجال إختصاص القضاء الإستعجالي
لا خلاف في أن اختصاص القضاء الإستعجالي، اختصاص غير محدد بمجال أو نطاق محصور، ومن ثم فإن الحالات اللتي ساقها المشرع سواء في قانون المسطرة المدنية الذي يعنينا في هذه الدراسة أو في قوانين أخرى، إنما هي واردة على سبيل المثال فحسب، منها:
أ~ إثبات حال وتوجيه إنذار
تعتبر دعوى إثبات الحال من الدعاوى الوقتية التي يقصد بها تصوير حالة مادية يخشى ضياع معالمها إذا انتظر طرح النزاع على قضاء الموضوع، وهكذا نص المشرع صراحة على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالبت في المقال الذي يستهدف الحصول على أمر في إثبات الحال.
فإثبات الحال هو وصف لحالة راهنة يخشى اندثارها و زوالها، و ذلك حتى يستفيد منها المدعي عند عرض النزاع على محكمة الموضوع، لذا فدعوى إثبات الحال تبقى مجرد دعوى مستعجلة ووقتية لا تمس أصل الحق، وحتى يتم قبولها ينبغي ألا يترتب عن إصدار الأمر إضرار بحقوق الأطراف أو المساس بجوهر الحق، وذلك كما اقتضى الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، لذا لا تقبل دعوى إثبات الحال إذا تضمنت اعتداء على أحد الأشخاص أو شخصه أو جسمه، كالكشف عن جسم امرأة جبرا أو لإثبات حمل.
وتصدر الأوامر بناء على طلب في غيبة الأطراف ودون حضور كاتب الضبط، وبالتالي دون انعقاد جلسة ومن غير تحرير أمرها وفق الصيغ التي يتطلبها الفصل 50 من ق.م.م، كما أنها غير قابلة للإستئناف إلا في حالة الرفض، وذلك داخل 15 يوما من تاريخ صدورها، وإن كانت قلما تستأنف من الناحية العملية، لأنه في حالة رفض الطلب وبغية مفاجأة الطالب المطلوب، يفضل الطالب أن يعيد الكرة المرة بعد المرة على أن يقوم بالاستئناف.
ب~ الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ
إن الصعوبات المتعلقة بتنفيذ الحكم، هي تلك المنازعة القانونية أو الواقعية التي يثيرها المهدد بالتنفيذ، أو المنفذ ضده، أو أي طرف يمس التنفيذ بمصالحه بناء على ادعاءات يتمسك بها، بحيث لو صحت لأثرت في التنفيذ فيصبح التنفيذ جائرا أو غير صحيح أو باطلا، من هنا يتبين لنا أن الصعوبة في التنفيذ ترمي إلى منازعة تطرح بصددها خصومة على القضاء.
ج~ الأمر بالحراسة القضائية
من أهم التطبيقات العملية للقضاء المستعجل هي إجراء الحراسة القضائية، مما جعل المشرع في الفصل 149 من ق.م.م، ينص عليها صراحة إلى جانب الصعوبات المتعلقة بالتنفيذ والإجراءات التحفظية، التي تعتبر الحراسة القضائية من بينها، وذلك لإبراز أهميتها القصوى لما تلعبه من دور كبير في توازن الحياة الإقتصادية نظرا لتشعب المعاملات المدنية وما ينجم عنها من مشاكل وارتفاع كبير في حجم المنازعات، فأقر المشرع نظام الحراسة القضائية رغبة منه في تأمين وتحصين حقوق الأطراف إلى أن يقع الفصل في موضوع النزاع.
وتبرز أهمية الحراسة القضائية في الحلول العاجلة التي تقدمها لصيانة المعاملات الكبرى والإستثمارات الواسعة التي تمخضت عن التطور الإقتصادي الحديث مما جعلها تحتل المرتبة الأولى في الإجراءات التحفظية التي يمكن للقضاء المستعجل أن يتخدها، فهي أفضل من الحراسة الإتفاقية التي تقلصت أهميتها أمام الحراسة القضائية لما لسلطة القضاء من ضمان سير اجراءات الحراسة على وجهها الصحيح. ولما تشكله الحراسة القضائية من قيد مؤقت على حرية التملك، من جهة، ولما لها من أهميةخاصة من جهة أخرى، فأتى القضاء ليوازن بين حسنات الحراسة القضائية وشرورها فانه لا يتخذ إجراء الحراسة القضائية إلا كلما دعت الضرورة القصوى إلى ذلك، وكلما كانت هي الوسيلة الفعالة والإيجابية للمحافظة على مصالح وحقوق الأطراف فهي سلاح ذو حدين يجب أن يحسن استعماله وإلا انقلب الإجراء شرا واعطى نتائج عكسية على مصالح الأطراف أولا، وعلى الصالح العام أخيرا.
ومن خلال الفصل 818 من ق ل ع، يمكن ان نعرف الحراسة القضائية بانها اجراء تحفظي مؤقت لا يمس جوهر الحق، يتمثل في الإيداع المادي للشيء محل النزاع بين يدي الغير، ويأمر به القضاء بناء على طلب واحد أو أكثر من ذوي الشأن، في حالة قيام النزاع بينهم على ملكية أو حيازة منقول أو عقار أو في الحالات الأخرى التي يحددها القانون.
المبحث الثالث: مسطرة الأمر بالأداء
نظام مسطرة الأمر بالأداء طريقة ابتدعها المشرع وجعلها تحت تصرف الدائن ليطالب بحقه في غيبة خصمه، وقد قصد المشرع من إحداثها تمكين الدائن من دينه في أقرب وقت وبأقل مصاريف.
فمن حيث الرسوم القضائية لا تتعدى هذه الرسوم 100 درهم كيفما كان مبلغ الدين المطلوب، ومن حيث السرعة، فإن البت فيها لا يتطلب استدعاء الأطراف ولا عقد جلسة ولا حضور كاتب الضبط، وإنما يبت فيها الرئيس حالا وفي مكتبه، ويبلغ إلى المحكوم عليه الأمر الصادر في القضية.
وقد عالج المشرع هذه المسطرة في الفصول من 155 إلى 165 ق م م.
المطلب الأول: ماهية مسطرة الأمر بالأداء
الفقرة الأولى: المقصود بمسطرة الأمر بالأداء
من المعلوم ان الدعوى في مجراها الطبيعي تتطلب آجالا قد تطولن للإدلاء بالمستندات وإعداد مذكرات الدفاع والتحقيق، وما إليها من الإجراءات التي تمتد مع سير الخصومة.
غير أن هناك نوع من القضايا يتميز بكون الديون فيه ثابتة في سندات مكتوبة رسمية أو عرفية، وبكونها مستحقة الأداء، وضع له المشرع مسطرة خاصة تختلف عن المسطرة العادية، ألا وهي مسطرة الأمر بالأداء.
الفقرة الثانية: طبيعة مسطرة الأمر بالأداء
يبدو من المحتوى العام للفصول المشار إليها أعلاه، أن مسطرة الأمر بالأداء من نوع خاص، حيث تمكن الدائن من استصدار أمر من القضاء بإستيفاء دينه وفق إجراءات سريعة وبسيطة، ذلك أنها تتم دون مرافعة، وفي غياب الأطراف وكاتب الضبط، فضلا عن أن المشرع قلص في إطارها من طرق الطعن ومن مواعيد ممارستها.
المطلب الثاني: شروط إصدار أوامر الأداء
يعتبــر سلــوك مسطرة الأمر بالأداء في قانــون المسطرة المدنية المغربي جوازيــا بالنسبــة للدائــن ، أي أنــه إن أراد الاقتصاد في الوقــت و النفقــات أن يسلــك مسطرة الأمر بالأداء و إذا لــم يرد سلــوك مثل هذه المسطرة فلــه أن يطلــب تعويضــا عن التأخيــر بالإضافــة إلى أصــل الديــن أو يطلــب تحديد الإكــراه البدنــي في حالــة عدم وجود ما يحجز لدى المديــن فلــه أن يسلــك الطريــق العادي بينمــا ألزم قانون المرافعــات المدنيــة المصري الدائــن متى توفرت لــه شروط الأمر بالأداء أن يقدم دعــواه في مسطرتهــا و إلا كانــت دعــوى غير مقبــولــة و تقضى المحكمــة تلقائيــا بذلــك ، تنقســم هذه الشروط إلى شروط موضوعيــة تتعلــق بصفــات الديــن و مقداره ، و أخرى شكليــة تتعلــق بكيفيــة تقديــم طلــب الأمر بالأداء.
الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية
أولا : أن يكــون المطلــوب هو الحصــول على مبلــغ مالي
ينصب طلب الأمر بالأداء على المال دون غيره، وانتفاء هذا الشرط يؤدي لرفض الطلب لإنعدام شرط جوهري للإستفادة من مسطرة الأمر بالأداء، وبذلك أخرج المشرع جميع المعاملات الاخرى التي لا تنصب على النقود بشكل مباشر، والتي يبقى النزاع حولها خاضع للمسطرة العادية، لأنها تحتاج تحقيق وتدقيق ووثائق ومستندات وأحيانا شهود وخبرة لتفصل هيئة المحكمة فيها، خاصة ان مسطرة الامر بالأداء مسطرة إستثنائية كما سبق ذكر ذلك مقيدة بشروط محددة تكون فاصلة إن توفرت في الطلب المقدم، وبالتالي فهي لا توازي المسطرة العادية في التشعي و الإجراءات.
ثانيا: أن يتجاوز المبلغ المطلوب 1000 درهم
إن كل طلب أمر بالأداء يقل عم ألف درهم يكون مصيره الرفض لعدم توفر شرط جوهري نص عليه كذلك الفصل 155 من ق م م، وهو تجاوز قيمة الطلب 1000 درهم، وكل مبلغ يقل عن ذلك يبقى للدائن فيه سلك المسطرة العادية ( قسم قضاء القرب بالمحكمة الإبتدائية المختص بالبت في القضايا ذات القيمة التي تقل عن 5000 درهم )، فالقيمة المحددة في تجاوز 1000 درهم شرط ضروري لقبول طلب الأمر بالأداء للنظر في مدى توفر الشروط الأخرى.
ثالثا: أن يكون مبلغ الدين تابثا ومحددا
أوجب المشرع ضمن الشروط الواجب توفرها في طالب مسطرة الأمر بالأداء أن يكون مبلغ الدين المطالب به تابتا ومحددا، بمعنى أن ينص في سند الدين على مبلغ واضح ومحدد لا يشوبه اي غموض من حيث قيمته ولا يحتمل الترجيح أو البينة، ولأن مسطرة الأمر بالأداء سريعة وأستثنائية فكان لزاما على المشرع تقييدها بهذا الشرط الذي له أهمية في التخفيف من الطلبات التي لا يتوفر فيها عنصر الدقة في قيمتها والتحديد في مبلغ الدين فيها، وبالتالي تحتمل التنازع بين الدائن والمدين حول القيمة الحقيقية للدين وهو ما يمكن التوصل إليه عبر المسطرة العادية أمام المحاكم الإبتدائية أو داخل قسم قضاء القرب حسب معيار القيمة في النزاع.
رابعا: أن يكون الدين مستحقا
يعني قد جاء أجل الوفاء بالدين ولم يريد المدين أداءه بعد طلبه من طرف الدائن وبعد إخطاره بحلول آجال استيفاء الدين، فلا يقبل طلب الأمر بالأداء حول دين لم يأتي أجل استحقاقه، لأن ذلك يهدد الذمة المالية للمدين الذي من الممكن أن يكون في علاقة مديونية أخرى هو فيها الدائن ومرتبط أجل إستحقاقه للدين إستفاء الدين الأول في علاقته بالدائن.
خامسا: أن يتوفر المدين على موطن بالمغرب
لا يقبل طلب الدائن الذي يطلب استيفاء دين مدين يقطن خارج التراب الوطني وليس له موطن معروف بالمغرب ( الفصل 157 من ق م م ) لذلك كل طلب استيفاء دين من مدين ليس له موطن بالمغرب يكون مصيره الرفض والإحالة على المحكمة المتخصصة وفق الإجراءات العادية لإنعدام أحد شروط الإستفادة من المسطرة الإستثنائية المتعلقة بالأمر بالأداء، فلا يمكن أن يلاحق القضاء شخص على دين خارج التراب الوطني، بمعنى آخر أن الدائن هنا سيتحمل مسؤولية ثقته في شخص ليس له موطن في المغرب وتبعات هذه الثقة على صعوبة إستفاء هذا الدين وفق المسطرة العادية.
الفقرة الثانية: الشروط الشكلية
يقضي الفصل 156 من ق م م في فقرته الثانية والثالثة بما يلي:
يتضمن المقال الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن الأطراف مع البيان الدقيق للمبلغ المطلوب وموجب الطلب
يجب أن يعزز هذا الطلب بالسند الذي ينبث صحة الدين.
يستفاد من هذا الفصل أن مقال الأمر بالأداء يتطلب بعض البيانات التي يفرضها قانون المسطرة المدنية بالنسبة للمقالات عموما وهي طبق الأصل للبيانات التي يتطلبها مقال الدعوى والواردة في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية
إلى جانب ماسبق يجب أن يكون المقال مكتوبا وموقعا عليه من طرف الطالب أو وكيله وهذا على خلاف القواعد المنصوص عليها في الفصل 31 من ق م م الذي ينص على على أنه يمكن رفع الدعوى إما بمقال مكتوب أو بمجرد تصريح شفوي يدلي به المدعي ويحرره أعوان كتابة الضبط على شكل محضر يوقع عليه المدعي أو وكيله يشار إلى انه لا يمكنه التوقيع.
الفقرة الثالثة: تبليغ وتنفيذ الأمر الصادر بالأداء
أولا: التبليغ
فيما يخص تبليغ الأمر الصادر بالأداء نجد أن المشرع ينص من جهة على "أن الأمر الموافق للطلب يبلغ إلى المدعى عليه الذي يجب عليه أن يدفع المبلغ المحكوم به في ظرف 8 أيام الموالية للتبليغ وإلا اجبر على الأداء بكل الطرق القانونية وخاصة بطريق حجز أمواله المنقولة.
ومن جهة ثانية فهو يقضي" بأن وثيقة التبليغ تشتمل على نسخة من المقال وسند الدين والأمر بالأداء وإنذار المدين بوجوب تسديد مجموع مبلغ الدين والصائر المحدد في الأمر مع إشعاره..........وإلا أصبح الأمر بالأداء مشمولا بالنفاد المعجل.
لكن بما أن سند الدين يعتبر حجة بيد الدائن ومن ثم لا يسوغ تبليغه إلى المدين تفاديا لضياعه فان المجلس الأعلى تنبه لهذه النقطة وقضى في قرار له مؤرخ في 29 أكتوبر 1986
"ليس من المنطق أن يبلغ مع الأمر بالأداء سند الدين لما في ذلك من تعريضه للضياع وليس في الفصل 161 المحتج به ما يقتضي ذلك وإنما يوجب أن تشتمل وثيقة التبليغ على ملخص المقال وعلى مجرد التعريف بسند الدين كمبيالة أو فاتورة أو عقد عرفي.
ثانيا: التنفيذ
أما بالنسبة للتنفيذ فيبدوا أنه إذا لم ينفد المدين الأمر الصادر ضده أو لم يقدم طلب استئناف في ظرف 8 أيام الموالية للتبليغ المسلم له شخصيا ا والى موطنه فان الأمر الصادر بالأداء يصير بحكم القانون قابلا للتنفيذ المعجل على الأصل ,كذلك إذا رفض طلب الاستئناف فان الأمر يكتسب كل مفعوله ويصبح قابلا للتنفيذ المعجل بقوة القانون.
ومع ذلك يجوز للقاضي سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية أن يمنح للمحكوم عليه أجلا للوفاء بالدين على أن يتم ذكر ذلك في الأمر أو القرار أي حينما تحكم المحكمة بالأداء أو تؤيد محكمة الدرجة الثانية الأمر الصادر بالأداء إذا اتضح من أوراق الملف أن تأخر المدين يعزى إلى أمور خارجة عن إرادته.
وككلمة وجيزة أختم بها هذه الإطلالة على مسطرة الأمر بالأداء نشير إلى انه يمارس رؤساء المحاكم التجارية علاوة على الاختصاصات المخولة لهم في المادة التجارية تلك المسندة إلى رؤساء المحاكم الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية منها البث في القضايا الاستعجالية وإصدار أوامر مبنية على طلب وأوامر بالأداء مبينة على الأوراق التجارية والسندات الرسمية وذلك بموجب الفصل 21 من قانون 53.95 القاضي بإحداث المحاكم التجارية.
وفيما يرجع لمسطرة الآمر بالأداء يبدوا لي من من وجهة نظري أن الاختصاص يخضع للقواعد الوارد في قانون المسطرة المدنية سواء فيما يخص شروط استعمال مسطرة الأمر بالأداء او سلطة رئيس المحكمة في إصدار الأمر مع الأخذ بعين الاعتبار الدين وقيمته.
إرسال تعليق